الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
ثم قال تعالى: {وبالوالدين إحسانًا} [سورة الأنعام، الآية: 151].
فجعل الله تعالى حق الوالدين بعد حقه ومن هما الوالدان؟ هما الأم والأب، وحق الأم آكد من حق الأب، ولهذا سئل الرسول عليه الصلاة والسلام:
والإحسان إلى الوالدين يكون بالقول ويكون بالفعل ويكون بالمال. الإحسان بالقول أن يقول لهما قولًا لينًا لطيفًا كريمًا بحيث يناديهما مناداة إجلال وتعظيم حتى إن بعض العلماء قال: يكره أن ينادي الإنسان أباه باسمه مثلًا إن كان أبوك اسمه محمد لا تقول : يا محمد قل: يا أبتي، إبراهيم عليه السلام يقول لأبيه وأبوه كافر يقول له : يا أبتِ لم تعبد لأن هذا من باب الإكرام ، حتى إذا بلغ الوالدان سنًا كبيرًا يحصل منه شيء من التعب فإن الله تعالى يقول :
بعض الناس إذا كبر الوالد عنده أو الأم مل منهما وصار ينهرهما وصار يقول لهما قولًا خشنًا الله ينهى عن ذلك) فلا تقل لهما أف (معنى (أف) يعني أتضجر منكما) ولا تنهرهما (بالقول في الصراخ أو العتاب أو ما أشبه ذلك) وقل لهما قولًا كريمًا (لينًا لطيفًا تقر به أعينهما. هذا الإحسان بالقول إننا نرى بعض الناس يلين بقوله مع زوجته ولا يلين بقوله مع أمه، وهذا مشاهد تجده مع الزوجة يلين لها ويخضع لها ولا ينهرها لكنه مع أمه بالعكس بل مع أبيه إن تمكن وهذا خلاف ما أمر الله به.
الإحسان بالفعل يكون بالخدمة والقيام بمصالحهما. الخدمة البدنية
إذا عجزا ساعدهما حتى عند المنام وعند القيام وعند الجلوس يجب على الإنسان أن يقوم ببر الوالدين عند العجز فيعينهما بكل ما يحتاجان إليه من عون.
الإحسان بالمال يجب أن يحسن إليهما بالمال بأن يبذل لهما كل ما يحتاجان إليه من نفقة، كسوة طعام، شراب، سكن إذا كان يقدر على هذا.
فصار الإحسان إلى الوالدين يتضمن ثلاثة أمور : الإحسان بالقول، الإحسان بالفعل، والإحسان بالمال.
وبر الوالدين أفضل من الجهاد في سبيل الله قال ابن مسعود رضي الله عنه : سألت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها قلت : ثم أي؟ قال: بِرُّ الوالدين. قلت : ثم أي قال: الجهاد في سبيل الله).
واعلم أن البر بالوالدين، كما هو واجب فإن الله تعالى يثيب البار في الدنيا قبل الآخرة، ولهذا نجد حسب ما علمنا بالسماع والمشاهدة، نجد أن الذي يبر والديه ييسر الله له أولادًا يبرونه وأن الذي لا يبر والديه يسلط عليه أولاده فيعقونه والعياذ بالله، إذًاعرفنا الوصية الثانية الإحسان بالوالدين.
فما ضد الإحسان؟ ضده أمران، إساءة ، وموقف سلبي بين الإحسان والإساءة.
أما المسيء: فلا شك في أنه ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب لأنه عاق وأما السلبي الذي لا يبر ولا يسيء فقد ترك واجبًا مما أوجب الله عليه وهو الإحسان إلى الوالدين قد يقول قائل : لماذا لم يذكر الله حق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن
المعلوم أن حق الرسول مقدم على حق الوالدين بل مقدم على النفس ولهذا يجب أن يكون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحب إليك حتى من نفسك وأبيك وأمك وابنك والناس أجمعين فإذا قال قائل: لماذا لم يذكر الله حق رسوله؟ فالجواب أن حق الله متضمن لحق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولهذا جعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله جعلهما ركنًا واحدًا من أركان الإسلام فقال:
الوصية الثالثة:
ثم قال عز وجل:
الإملاق: يعني الفقر و(من) هنا سببية أي بسبب الإملاق يعني لا تقتلوا أولادكم بسبب الفقر،
السبب الأول: ما ذكره الله هنا وهو الإملاق أي الفقر.
السبب الثاني: العار.
أما الأول الذي سببه الفقر فكانوا يقتلون الذكور والإناث: إذا جاءه ولد وهو فقير قال: هذا سيثقل كاهلي في الإنفاق فيقتله والعياذ بالله، أما الآخر الذي سببه العار فهؤلاء يقتلون الإناث دون الذكور.
يقول الله عز وجل:لا تقتلوا أولادكم من الفقر. إذًا يبقون ولو كان الأب فقيرًا لأن رزقهم على الله عز وجل
قال بعض أهل العلم : إنه يقتل إذا علمنا أنه تعمد القتل يقتل لعموم قوله تعالى:
قالوا : ولأن الرجل إذا قتل ولده جمع بين عدوانين : عدوان القطيعة وعدوان القتل فيقتل وهذا مذهب الإمام مالك رحمه الله.
لكن أكثر أهل العلم يقولون: إن الوالد إذا قتل ولده لا يقتل، واستدلوا بحديث مشهور عند أهل العلم (لا يقتل والد بولده) ولكن هذا الحديث ضعفه كثير من العلماء وقالوا أيضًا: إن الوالد سبب وجود الولد فلا ينبغي أن يكون الولد سببًا في إعدامه ولكن لا شك أن هذه العلة عليلة وذلك أن الأب سبب في وجود الولد لا شك لكن سبب قتله هو عدوان الأب وليس وجود الابن حتى نقول : كيف يكون وجوده سببًا في إعدام من أوجده أو من كان سببًا في وجوده، على كل حال هذه المسألة موضع ذكرها ومناقشتها كتب الفقه لكن ذكرت عرضًا عند حديثنا عن قوله تعالى:
وهنا نقف لننظر الفرق بين هذه الآية وبين آية الإسراء
يجب أن نعلم أن التعبير القرآني لابد أن يكون فيه حكمة لا يمكن أن يختلف التعبير إلا لسبب، في سورة الأنعام قال:
الوصية الرابعة:
الفواحش: جمع فاحشة، والفاحشة كل ما أنكرته العقول واستفحشته واستكبرته واستعظمته من المعاصي فهو فاحشة ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم من المعاصي الفواحش عددًا:-
أولًا:
ثانيًا : نكاح زوجات الآباء فقال:
ثالثًا : قال لوط لقومه:
وتأمل هذه الآيات الثلاث التي ذكرناها ففي الزنى قال الله تعالى:
يتولد من هذا السؤال التالي: أي هذه الفواحش أعظم؟
اللواط أعظمها لأنه عرفها بأل قال: (الفاحشة) فكأنها فاحشة معهودة عند كل ذي فطرة سليمة وعقل قويم فعرفت بأل كأنها هي الفاحشة لمشهورة المعلومة التي ينكرها كل أحد ولهذا كان الفرج الذي استبيح بهذه الفعلة القبيحة لا يباح بأي حال من الأحوال وكانت على القول الراجح عقوبة اللوطي الذي يفعل اللواط القتل بكل حال يعني إذا ثبت أن شخصًا تلوط بشخص، وكان المفعول به غير مكره فإنه يجب قتل الاثنين جميعًا لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
إذا قال قائل : أين الدليل؟ قلنا : الدليل هو هذا
إذًا اللواط أشد من الزنى ، لأن عقوبته القتل بكل حال، ولكن كيفية القتل اختلف فيها الصحابة فإذا رأى ولي الأمر أن يقتلهما على إحدى الصفات الواردة فلا بأس، المهم أنه لا مكان لهما في المجتمع لأن بلية اللواط والعياذ بالله بلية لا يمكن التحرز منها إذ إن الذكور كلهم يخرجون في الأسواق ويمشون جميعًا ويأتون جميعًا ويذهبون جميعًا فالتحرز منها غير ممكن فلهذا إذا عوقب الفاعل والمفعول به بالقتل كان هذا أقوى رادع عن هذه الفعلة التي تعتبر من أقبح الفعال، ونكاح زوجة الأب يقع في المرتبة الثانية لأن الله تعالى وصفه بوصفين فقال:
قوله:
المعنى الأول: ما ظهر منها بإظهاركم ، وما بطن، ما بطن منها بإخفائكم أي الفواحش سواء أظهرتموها أم أخفيتموها.
وقيل : المعنى بل ما ظهر منها، أي ما كان فحشه ظاهرًا لكل أحد وما كان فحشه خفيًا لا يظهر لكل أحد. على كل حال الفواحش محرمة ما ظهر منها وما بطن.
الوصية الخامسة:
في قوله :
1. 1. قسم لم يحرم الله قتلها.
2. 2. قسم حرم الله قتلها.
فما الذي حرم الله قتله من النفوس؟
هم أربعة أصناف: المسلم ـ الذمي ـ المعاهد ـ والمستأمن.
هؤلاء أربعة، المسلم معصوم بإسلامه، والذمي بذمته، والمعاهد بعهده، والمستأمن بأمانه.
الذمي هو الذي جرى بينه وبين المسلمين عقد وعهد على أن يبقى في البلاد الإسلامية محترمًا ولكن يبذل الجزية دليل ذلك قوله تعالى:
المعاهد هو الذي عقد بينه وبين المسلمين عهد، (ومثال ذلك ما جرى بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبين قريش عام الحديبية في السنة السادسة من الهجرة في ذي القعدة (عاهدهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عشر سنوات، لكنهم نقضوا العهد.. المهم أنه جرى بينه وبينهم عهد، فإذا جرى بين المسلمين وبين غير المسلمين عهد على عدم الاعتداء صار هذا العهد ملزمًا ومانعًا من العدوان عليهم. والمستأمن يعني الذي أخذ أمانًا منا ودليل ذلك قول الله تعالى:
بقي الكافر الذي ليس بيننا وبينه عهد ولا ذمة هذا مهدر الدم ويجوز للإنسان أن يقتله حيثما وجده.
ثم قال الله تعالى : {إلا بالحق} ، فإذا كان قتل النفس بحق فلا مانع من قتلها، من الحقوق التي تبيح قتل النفس المحرمة: منها القصاص ومنها
الزنى إذا كان الزاني محصنًا ومنها على القول الراجح اللواط فإنه مبيح للقتل، ومنها الردة إذا ارتد الإنسان عن دينه فإنه يدعى إلى دينه فإن أبى قتل، وكذلك الحرابة
) ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون (. (ذلكم) المشار إليه ما سبق وهن خمس وصايا وصانا الله بها لعلنا نعقل.
ما المراد بالعقل هنا؟
نحن نعلم أن العقل نوعان : عقل إدراك، وعقل رشد، فعقل الإدراك ما يدرك به الإنسان الأشياء، وهذا الذي يمر كثيرًا في شروط العبادات، يقول : من شرطها الإسلام والعقل والتمييز، هذا هو عقل الإدراك وضده الجنون.
والثاني عقل رشد. بحيث يحسن الإنسان التصرف ويكون حكيمًا في تصرفه وضد هذا السفه لا الجنون.
فالمراد بالعقل بهذه الآية، المراد عقل الرشد لأنه لم يوجه إلينا الخطاب إلا ونحن نعقل عقل إدراك، لكن هل كان من وجه إليه الخطاب، يعقل عقل رشد؟ لا قد لا يعقل عقل الرشد، الكفار كلهم غير عقلاء عقل رشد كما قال الله تعالى في وصفهم:
وما هو العقل النافع للإنسان؟
عقل الرشد لأن عقل الإدراك قد يكون ضررًا عليه إذا كان ذكيًا فاهمًا ولكنه والعياذ بالله ليس عنده حسن تصرف ولا رشد في تصرفه وقد يكون أعظم من إنسان ذكاؤه دون ذلك وهنا نسأل عن مسألة كثر السؤال عنها هل العقل في الدماغ أو العقل في القلب؟
قال بعض الناس في القلب وقال بعض الناس : في الدماغ، وكل منهم له دليل، الذين قالوا : إنه في القلب قالوا : لأن الله تعالى يقول:
قال:
وقال بعضهم : بل العقل في الدماغ لأن الإنسان إذا اختل دماغه اختل تصرفه ولأننا نشاهد في الزمن الأخير نشاهد الرجل يزال قلبه ويزرع له قلب جديد ونجد عقله لا يختلف عقله وتفكيره هو الأول. نجد إنسانًا يزرع له قلب شخص مجنون لا يحسن يتصرف، ويبقى هذا الذي زرع فيه القلب عاقلًا فكيف يكون العقل في القلب؟ إذًا العقل في الدماغ لأنه إذا اختل الدماغ اختل التصرف، اختل العقل.
ولكن بعض أهل العلم قال: إن العقل في القلب ولا يمكن أن نحيد عما قال الله عز وجل لأن الله تعالى وهو الخالق وهو أعلم بمخلوقه من غيره كما قال تعالى:
|